top of page
  • Writer's pictureMECRA

معركة الحسم القادمة في سوريا


A street in eastern Syria (Sirwan Kajjo)

انتهت الحرب الأهلية السورية، وبدأت المرحلة التالية

بدأت الشرطة العسكرية الروسية في الأسبوع الأول من أغسطس/ آب بإنشاء ثماني نقاط مراقبة على طول مرتفعات الجولان المطلة على خط وقف إطلاق النار لعام 1974 بين إسرائيل وسوريا، وشكلت هذه الخطوة النهاية الرمزية للصراع في جنوب سوريا، حيث فقد المتمردون آخر معاقلهم بسهولة في نفس المكان الذي اندلعت فيه الاحتجاجات ضد النظام لأول مرة في عام 2011 خلال الربيع العربي.


شهد شهر يوليو/تموز عودة النظام السوري إلى الحدود الأردنية وإلى خط وقف إطلاق النار في الجولان بعد شهر واحد من القتال، ووافق معظم الثوار على المصالحة مع النظام حيث مفادها إعادة دمجهم في الدولة السورية، بينما نُقل حوالي عشرة آلاف آخرين بالحافلات شمالًا إلى محافظة إدلب ضمن مجموعة إجراءات أضحت معتادة في السنة الأخيرة من الحرب. لقد اكتسب النظام القوة والثقة والسلطة خلال السنوات الثلاث الأخيرة منذ بدء التدخل الروسي في سوريا. وينقسم الصراع السوري حاليًا إلى ثلاث مناطق تخضع للغطاء الجوي لثلاث تحالفات رئيسية: يتمركز في الشرق التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها من قوات سوريا الديمقراطية، بينما تسيطر تركيا وحلفاؤها من المتمردين السوريين على المناطق الشمالية، وتنتشر قوات النظام مدعومة من روسيا وإيران في وسط وبقية أنحاء سوريا.


انتهت الحرب الأهلية السورية ودخلت الحرب الآن مرحلة جديدة ستحدّد معالمها أنقرة وواشنطن وموسكو.

لقد ظهرت مؤشرات هذه التغيرات جلية عندما بدأت روسيا في التحدث عن مناطق «تخفيف التصعيد» وإطلاق محادثات مع تركيا وإيران في أستانة. فقد تطورت هذه المحادثات الآن واستحوذ النظام على المساحات التي كانت تشغلها جماعات متمردة مستقلة من قبل كما هو الحال في الغوطة الشرقية وجنوب سوريا. وانحسرت مناطق سيطرة داعش إلى ما يقرب من واحد بالمائة مما سيطروا عليه سابقًا. وفقدت داعش معاقلها في الجولان واليرموك والصحراء السورية بالقرب من الحدود العراقية. بينما أطلقت قوات سوريا الديمقراطية المرحلة الثالثة من عملية « عاصفة الجزيرة.» وسوف تستحوذ قريباً على آخر مائة كيلو متر مربع تحت سيطرة داعش.


إن هدف النظام السوري واضح؛ إنه يريد استعادة السيطرة على كافة أنحاء سوريا، ويتفق حلفاء النظام في إيران وموسكو على وجوب استعادة السيادة السورية. ويكمن السؤال الجوهري الآن في الجدول الزمني الذي ستحتاجه دمشق حتى تتمكن من استعادة السيطرة على حدودها. يقول روبرت ستيفن فورد السفير السابق للولايات المتحدة في حوار مع مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث: «اذا لم تنته الحرب سيكون المسار واضحاً» مضيفاً بأن «دمشق ستعمل على طرد القوات التركية والأمريكية ولكن دور موسكو لا زال غير واضح» وتابع «لا أستطيع تخيل أن روسيا سوف ترفض محاولات الأسد للضغط على تركيا في إدلب». على نظام الأسد الحرص على عدم إثارة نزاع مع تركيا وتحقيق هدفه خلال عملية طويلة.


وإذا كانت وجهة نظر النظام السوري واضحة، فإن النظرة التركية حول دورها في شمال سوريا على الأمد الطويل غير واضحة، حيث تستثمر تركيا في المبادرات التعليمية في جرابلس وعفرين والباب وترغب في إعادة ملايين اللاجئين السوريين من تركيا، ولقد عاد بالفعل خمسة وسبعون ألف شخص إلى ديارهم إلا أن تركيا تأمل في إعادة المزيد بعدما أنفقت 30 مليار دولار على مخيمات اللاجئين على أراضيها. فهل سيصبح حال شمال سوريا شبيهاً بقبرص الشمالية أم سيجد النظام السوري وتركيا أرضية مشتركة للتفاوض؟ تستعد دمشق بالفعل لشن هجوم على محافظة إدلب حيث تنتشر نقاط المراقبة التركية، وإن كانت تركيا تنوي البقاء في سوريا، كانت ستضع خطًأ أحمر لا يُسمح بتجاوزه.


جاء التدخل التركي في سوريا جزئيًا لدعم المتمردين. وفي جرابلس تدخلت القوات التركية بغرض كبح تقدم وحدات حماية الشعب الكردية التي تتهمها أنقرة بأنها «إرهابية» مرتبطة بحزب العمال الكردستاني. وتعد وحدات حماية الشعب أحد مكونات قوات سوريا الديمقراطية التي تشارك الولايات المتحدة في تحالف ضد داعش. وتقاتل تركيا حزب العمال الكردستاني بشراسة منذ انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في عام 2015، حيث شنت تركيا غارات على العراق لضرب الحزب هناك وهددت بمهاجمة منبج مقر التحالف الأمريكي بجوار قوات سوريا الديمقراطية. وضع وزير الخارجية الأمريكي مايك پومپيو وأنقرة خارطة طريق في منبج شهدت نشر اثنتين وعشرين دورية مستقلة تابعة للولايات المتحدة وتركيا بالقرب من المدينة.

بحسب قوات التحالف، سارت هذه الدوريات بشكل جيد لكن من غير الواضح ما إذا كان سيتسبب التوتر المتصاعد بشأن القس الأمريكي المعتقل أندرو برونسون في تركيا في خلق أزمة جديدة من شأنها زعزع استقرار منبج. والمسألة المهمة هنا هي أن وجود تركيا بالقرب من منبج لا يقتصر فقط على دعم المتمردين ضد النظام بل يتعلق بإعادة قوات سوريا الديمقراطية مرة أخرى وراء نهر الفرات. فعلى سبيل المثال لو غادرت الولايات المتحدة شرق سوريا لصالح النظام، ستتقلص حُجّة بقاء تركيا في الشمال.

قال وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس في 27 يوليو/تموز في تصريحات صحفيّة في واشنطن: «ستكون معركة أطول وأكثر صرامة»، في إشارة إلى المعركة مع تنظيم الدولة الإسلامية في شرق سورية. مضيفًا: «ما أن تتركها حتى يعود تنظيم داعش.» وتتوافق تعليقاته مع الإشارات المستمرة إلى «الاستقرار» مِن قِبَل بريت ماكغورك المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة داعش وآخرين في الإدارة الأمريكيّة. ويبدو أن الولايات المتحدة تعتقد أن الأسد سيتنحّى في نهاية المطاف أو لربّما يمكن، على الأقل، للولايات المتحدة أن تُوقِف عملية إعادة بناء غرب سورية حتّى رحيله. وأشار ماتيس إلى أن الأموال الإضافية لإعادة بناء سورية «تنتظر رحيل الأسد»، وهذا يعني أن الولايات المتحدة تتوقّع البقاء في شرق سورية في المستقبل القريب.


هناك عدة سيناريوهات لما قد يبدو عليه شرق سورية في ظل بقاء الولايات المتحدة: يشمل السيناريو الأول انسحابًا تدريجيًّا للقوات الأمريكيّة وقوات التحالف مع هزيمة داعش، وباستمرار الاستقرار ستواصل قواتُ سورية الديمقراطية التفاوضَ مع النظام السوريّ الذي بدأ بزيارة المجلس الديمقراطي السوري المرتبط بقوات سورية الديمقراطية في يوليو/تموز، ولكن الخطر يتمثل في احتمالية نشوب جولة جديدة من القتال بين تركيا وقوات سورية الديمقراطية مع سحب الولايات المتحدة دعمها الجوي وتخليها عن الحلفاء الذين ساعدوا في هزيمة داعش.


السيناريو الثاني هو استثمار الولايات المتحدة بكثافة في تحقيق الاستقرار والعمل على استمرار المعركة ضد داعش لعدة سنوات أخرى تحت ذريعة أن داعش لم تهزم هزيمة محققة بعد، ممّا يعني الضغط على دمشق من أجل التغيير وتحذير الولايات المتحدة لتركيا من أي هجمات على منبج. وسيعني ذلك استثماراً كبيراً في الرقة ووضع بصمة للموظفين الدبلوماسيين والمعونة الأمريكية وغيرها من المنظمات التي تعمل على إعادة بناء سورية. هذا ولم تقم الولايات المتحدة حتى الآن إلا بالحد الأدنى من الجهود في إعادة الإعمار، مع بقاء العديد من المناطق مثل منبج تحت الإدارة الذاتية بدون دعم. فيما تتطلب الرقة ومناطق أخرى المزيد من الاستثمار. وسيحاول النظام السوري إجبار الولايات المتحدة على الخروج من البلاد بتشجيع عدم الاستقرار بين قبائل وادي الفرات؛ وهذا ما فعله النظام لإثارة المشاكل للولايات المتحدة في العراق.

الخيار الثالث هو الاستثمار القوي في إنشاء منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في شرق سورية على غرار ما فعلته الولايات المتحدة في شمال العراق بعد عام 1991، الأمر الذي أدى إلى إنشاء حكومة إقليم كردستان. ولدى الولايات المتحدة بالفعل التزامات غير محدودة المدة في أماكن مثل أفغانستان والعشرات من البلدان في جميع أنحاء العالم وخاصة في أفريقيا حيث تنشط القوات الخاصة الأمريكية والمدرِّبون في مكافحة التطرف. ويلاحظ السفير السابق فورد أن الولايات المتحدة كانت بارعة في تجنّب وقوع ضحايا في شرق سورية، لكن إذا ما تغيّر ذلك فإنّ الناس سيتساءلون: «إلى أين نحن ذاهبون؟» ويتعلّق ذلك بالسؤال الأكبر حول الاستراتيجية المزمعة. فقد قالت الولايات المتحدة بأنها تحارب داعش في شرق سورية فيما وضع كل من پومپيو وترامب برنامجاً قوياً لمواجهة التأثير الإيراني في المنطقة.


يمكن أن تُشكّل القوات الأمريكية في شرق سورية كتلة ضد التأثير الإيراني، ممّا يُكوّن حداً فاصلاً بين نفوذ إيران في العراق ونفوذها في دمشق. ويقول فورد «البعض ينصحون ترامب بأن يترك القوات هناك لمواجهة إيران» لكنه متشكك. ويضيف «إن إدارة ترامب تأمل في أن يُخرِجَ الروس الإيرانيّين لكن الروس لن يخرجوهم».


تواجه واشنطن مفترق طرق في سورية؛ حيث كانت الإدارة متكتّمة بشأن الإعلان عن سياسة جديدة في شرق سورية، فالدور الأمريكي هناك غير مسبوق حيث أرسلت الولايات المتحدة قوات إلى سورية لمحاربة داعش ووجدت حلفاء رائعين والآن تجد نفسها في موقف تساعد فيه على حماية منطقة في بلد ما. لكن واشنطن ترتاح أكثر في العمل مع الحكومات لا مع كيانات مثل قوات سورية الديمقراطية، وهو الأمر الذي صار أكثر تعقيدًا نظرًا لحقيقة أن تركيا - وهي الحليف التاريخي - تعارض الدورَ الأمريكيّ. كذلك تواجه الولايات المتحدة صعوبة في موازنة رغبات السكان المحليين الذين تعمل معهم وسياستها الأكثر شمولاً. وشَهِدت بنفسها هشاشة ذلك في شمال العراق حيث رفض حلفاؤها في إقليم كردستان العملَ بشكل أقوى مع بغداد، وذلك بالرغم من حقيقة أن الأحزاب السياسية الرئيسية في بغداد قريبة من طهران بالرغم من معارضة السياسة الأمريكية الحالية ظاهريًّا لذلك، إلاّ أن الأصوات البراغماتية والساخرة ستشجع على بالنهج ذاته تجاه تركيا، وهو التعاون مع تركيا رغم التقارب التركيّ-الروسيّ. وتشكّك قوات سورية الديمقراطيّة بالفعل في الولايات المتحدة بعد أن شاهدت تركيا تستولي على عفرين حيث كانت قوات حماية الشعب الكردية تسيطر على المنطقة حتى يناير/كانون الثاني الماضي.


سيكون الجزء الأخير من الصراع السوري على المستوى الدبلوماسي؛ حيث استثمرت الولايات المتحدة في لقاءات جنيف التي لم تؤد إلى أي نتيجة، في حين استثمرت روسيا في لقاءات أستانة التي أسفَرَت عن سلسلة من اتفاقيات تخفيف التصعيد، وبذلك تمكنت روسيا من إقصاء الولايات المتحدة من المفاوضات حول مستقبل سورية وذلك من خلال العمل فقط مع إيران وتركيا. وهذا يعني أن الدور الأمريكي في شرق سورية يدور في فراغ بدون مسار دبلوماسي أو مسار يجمع بين الدبلوماسية والشؤون العسكرية.


وفي في الحالة المثالية.، يتعين على الولايات المتحدة أن تتبنى سياسة تجمع ما بين برنامجها المناهض لداعش وسياستها بشأن إيران، بالإضافة إلى مهمة جديدة في شرق سورية.


كاتب المقال هو سيث فرانتزمان المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للبحوث والدراسات وهو صحفي مقيم بالقدس، حاصل على الدكتوراة من الجامعة العبرية بالقدس.

هذا المقال مترجم عن الرابط التالي.


68 views0 comments
bottom of page